حياته:
تمثل القلب الناري الملتهب حبًا، يشتاق للوحدة والنسك، مع انطلاقة قوية وغيرة للعمل بقوة وبجرأة خاصة مع الخدام وأصحاب المراكز المدينة والدينية ليحدثهم في محبة صادقة مع صراحة ووضوح بلا مداهنة من أجل الحق، وبروح الاتضاع بلا عجرفة.
نشأته:
Isidore of Pelusium وُلد بالإسكندرية حوالي سنة 360 م.، يمت إلى البابوين ثاوفيلس (23) وكيرلس (24) بصلة قرابة. تعلم اليونانية والعلوم الزمنية مع علوم الكنيسة بروح وديع وبنسك وتقوى، فحسب أحد علماء عصره وأحد آباء الكنيسة الجامعة.
لما عزم الشعب على اختياره أسقفًا هرب إلى جبل الفرما على حدود مصر في الشمال الغربي بالقرب من مدينة بيلوسيوس (حاليًا فرموس)، لذا يدعوه بعض الغربيين إيسيذورس البيلوسيوتي. وقد قيل إن هذه المنطقة سكنها في وقت من الأوقات حوالي 500 راهبًا.
بين الصمت والغيرة:
عاش في جبل الفرما كناسك متوحد محب للصمت، ميالًا للتأمل والصلاة مع دراسة عميقة للكتاب المقدس، وكان أيضا عنيفًا مع جسده يتدرب على أصوام وتقشفات زائدة.
وسط صمته وعبادته كان قلبه يلتهب غيرة على خلاص الكل، وإذ قبل الدرجة الكهنوتية صار يكتب رسائل متعددة كرسائل شخصية يبعثها للقيادات الكنسية والعظماء في صراحة مع محبة، وقد وصل إلينا أكثر من ألفيْ رسالة له.
رسائله كانت ملتهبة بحب خلاص الآخرين، لذا كانت فعّالة في حياة الكثيرين، وكما يقول بعض الدارسين إنها لا تقل عن أعمال القديس يوحنا الذهبي الفم.
طالع كتابات القديس يوحنا الذهبي الفم وتأثر بها، خاصة كتابه "عن الكهنوت"، حتى حُسب تلميذًا له، وقد دافع عنه بجرأة أمام قريبه البابا ثاوفيلس. هذا الدفاع أثار أعداء القديس يوحنا الذهبي الفم ضد إيسيذورس نفسه، وكالوا له اتهامات كثيرة، وسببوا له مضايقات. وبعد نياحة البابا ثاوفيلس بذل كل الجهد لدى خليفته البابا كيرلس الكبير ابن أخت البابا ثاوفيلس موضحًا له سمو القديس يوحنا الذهبي الفم، وحمله أن يضع اسمه بين أسماء القديسين.
رافق الأخوة طوال القامة الذين اضطهدهم البابا ثاوفيلس فانطلقوا إلى القسطنطينية ليلقوا بذهبي الفم، وكان معهم مدافعًا عما أتُهم به العلامة أوريجانوس معلنًا أنها اتهامات منسوبة إليه خطأ من وضع الناسخين وليست أصيلة.
في غيرته أيضًا المقرونة بالشجاعة في تهذيب الآخرين كتب إلى رئيسه أوسابيوس أسقف بيلوسيوس خليفة الأنبا آمون إذ رآه يتصرف بغير عدل، بل وكتب إيسيذورس إلى حاكم المنطقة يؤنبه على المظالم التي يرتكبها وعلى عدم مراعاته حقوق الكنيسة. وكان له دور عظيم أيضا في مقاومة النسطورية.
جاهد حتى تنيح حوالي عام 450 م.
تعيد له الكنيسة القبطية في 10 أمشير.
أفكاره ورسائله:
كان كمحب لكتابات القديس يوحنا الذهبي الفم يميل إلى التفسير الحرفي ولا يقبل التفسير الرمزي إلا في حدود ضيقة.
اهتم في كتاباته بالجانب العقيدي كالرد على الأريوسيين وتمسكه بكلمات مجمع نيقية.
كان يحب القديس كيرلس الكبير، ومع تقديره له، في رسالة له أخذ ينتقده بشجاعة وأدب.
اهتم أيضا بالجانب التفسيري فكرس أكثر من ستين رسالة لتفسير رسائل معلمنا بولس الرسول. كما اهتم بالجانب الروحي العميق فعندما يتحدث عن النسك يقول: "لا تصير ناسكًا كاملًا لمجرد أن لك طعام القديس يوحنا المعمدان وشرابه ونومه، إنما يلزم عليك أن تكون لك روحه كي تصل إلى الكمال". كما تحدث عن الحياة البتولية بكونها أفضل من الحياة الزوجية لكن في وضوح أعلن أنه إن خلت من الإتضاع صارت بلا قيمة.
أورد مني Migne في مجموعته عن كتابات الآباء 2010 رسالة لهذا الآب، مقسمة إلى أربع مجموعات، كل مجموعة تحوي حوالي 500 رسالة، يشك البعض في 19 رسالة منها.
يذكر القديس ساويرس الأنطاكي أن لهذا الأب 3000 رسالة.
من كلماته:
إنه أمر ضروري أن نوبخ البعض بقساوة والبعض بعذوبة وليونة، لأنه لا يمكن اكتساب الجميع بنوع واحد، ولا يُستطاع معالجة الأمراض كلها وشفاؤها بدواء واحد بعينه.
إذ طرد من مكان نسكه ونفى كتب إلى صديق له يقول: الفضيلة وحدها وبذاتها هي إكليل البار ومكافأته، كما أن الشرير يجد قصاصه وعقابه في شر الرذيلة. ولهذا تجد الفضيلة دائمًا محبوبة على حد سواء حتى إن اضطهدت بتهم باطلة، والرذيلة هي دائما مستحقة البغضة مهما تشرفت من الناس الضالين.
يجب علينا أن نحتمل بدعة وصبر الإهانة حينما تلحق بأشخاصنا فقط، وأن نستعمل الحنو والتساهل في غفرانها. وأما حينما تلحق الإهانة بالعزة الإلهية فحينئذ يكون عدلًا وواجبًا أن نتصف بالغيرة وأن نظهر الغضب المقدس المؤسس على حب الله لا أن نحتملها بجبن ونخشى بدناءة غضب الغير...
إننا نتقد غضبًا ونشتغل بنار الغيرة ضد أعدائنا فيما يصادفنا شخصيًا، وأما فيما يخص الله وكنيسته فنحن فاترون، متغاضون، خالون من كل حرارة.
موسى الأكثر حلمًا ووداعة من جميع الناس حمى غضبه ضد الشعب الإسرائيلي حينما صنعوا العجل الذهبي ليسجدوا له. وإيليا تسلح بالغيرة المتقدة ضد عابدي الأصنام، والقديس يوحنا المعمدان ضد هيرودس الملك، والقديس بولس الرسول ضد عليم الساحر...
حياة بدون كلام خير من كلام بدون حياة؛ الأول إذ يحيا بالبر ينفع حتى بصمته، وأما الثاني فلا يفيد حتى عندما يتكلم. متى اقترنت الكلمة بالعمل تتم كل الفلسفة.
اهتم بالفضائل ولا تكن عبدا للمجد (الباطل)، فالفضائل خالدة أما الأخير فزائل.
كثيرون يريدون الفضيلة لكنهم يترددون في السير على الطريق التي تقود إليها، بينما آخرون يعتقدون أنه ليس ثمة فضيلة. يلزم إقناع الأولين أن يتخلوا عن كسلهم وتعليم الآخرين ماهية الفضيلة.
ارتفاعات الاتضاع عظيمة هكذا أيضا أعماق الكبرياء، أنصحكم أن تقبلوا الأولى ولا تنحدروا في الثانية.
0 التعليقات