القديسة إيلارية
سيرة القديسة إيلارية Hilary التي تحتفل الكنيسة بعيد نياحتها في الحادي والعشرين من طوبة، مع سيرة القديسة أبوليناريا تمثلان صورة حية لانفتاح القلب على أمجاد السماء فيترك الإنسان كل مجد بشري من أجل الملكوت الأبدي، وتمارس حتى الفتيات الناشئات في قصور الملوك نسكًا يصعب على كثير من الشباب احتماله. إنها محبة الله النارية التي تلهب القلب فتهبه قوة فائقة، وتعطي صاحبه قدرة للعمل الروحي العجيب!
نشأتها:
قيل أنها نشأت في الربع الأخير من القرن الخامس الميلادي، بكونها الابنة الكبرى للملك زينون، وأختها الصغرى تدعى ثاؤبستا.
نشأت في حياة تقوية تمارس نسكها الخفي وتدرس الكتاب المقدس، فمال قلبها للبتولية وتكريس حياتها للعبادة.
في أحد الأيام إذ مضت إلى الكنيسة سمعت كلمات الرسول بولس عن موسى الذي بالإيمان أبى أن يُدعى ابنًا لابنة فرعون، مفضلًا بالحري أن يُذل مع شعب الله عن أن يكون له تمتع وقتي بالخطية (عب24:11-26)، فالتهب قلبها بالحنين إلى ترك القصر لتمارس حياة العبادة الخفية. وبالفعل في اليوم التالي تزينت بزي سعاة الملك وشدت وسطها بمنطقة وانطلقت إلى البحر متجهة إلى الإسكندرية، وكانت قد بلغت الثانية عشر من عمرها. هناك تباركت من كنيسة القديس بطرس خاتم الشهداء وكنيسة مار مرقس الرسول ثم سألت أحد الشمامسة أن يذهب معها إلى دير شيهيت مقدمة له مبلغًا للإنفاق على الرحلة، بينما كان الملك يبحث عنها بمرارة ولا يجدها.
في دير القديس مقاريوس:
تحدث معهما القديس بمويه، ثم سألته إيلارية أن يقبلها في الرهبنة دون أن تكشف له عن أمرها، فأجابها أن تذهب إلى دير الزجاج لتترهب هناك، قائلًا لها: "أراك ابن نعمة، وقد اعتدت على عيشة الترف، وهذا الموضع صعب عليك لقلة العزاء الجسدي." أصرت إيلارية على طلبها فقبلها الأنبا بمويه، ثم سلمت أموالها للشماس ليقدمه للأب البطريرك لخدمة الفقراء.
اختبر الأب بمويه القديسة إيلارية وإذ رأى مثابرتها وجهادها البسها الإسكيم بدعوتها "الراهب إيلاري"، وأسكنها في قلاية جنوب الكنيسة قليلًا، وكان يفتقدها مرتين كل أسبوع يرشدها ويدربها على الحياة النسكية.
بقيت في جهادها سبع سنوات، وكان الرهبان يدعونها "الراهب الخصي" بسبب رقة صوتها وعدم ظهور لحية، وفي أحد الأيام أخبرها القديس بموية أن الله كشف أمرها بكونها ابنة الملك وسألها أن تبقى هكذا لا تبح أمرها لأحد قط.
مرض أختها:
إذ مرضت أختها ثاؤبستا بمرض عضال حار فيه الأطباء تمررت نفس الملك الذي فقد ابنته الكبرى وها هو يفقد أختها، فأرسلها إلى برية شيهيت ليصلى من أجلها الآباء النساك، وإذ كان الراهب إيلاري قد عُرف بالتقوى طلب الشيوخ بعد صلاتهم على ثاوبستا أن تُحمل إلى قلايته ليصلي عليها، فلم تترد إيلارية، بل بسطت يديها وكانت تصلى بدموع وهي تقبل أختها، فتحنن الله عليها وشفاها، فمجد الآباء الله. عادت الأميرة لتخبر الملك بعمل الله معها وتعب الشيوخ من أجلها خاصة الأب إيلاري، وروت له كيف كان يبكي بدموع ويقبلها ويرقد بجوارها، الأمر الذي أدهش الملك وساوره الشك. فكتب إلى الأب بمويه يطلب منه أن يرسل إليه الراهب إيلاري ليباركه هو ومملكته.
في القسطنطينية:
تحت إلحاح الآباء اضطر إيلاري أن يذهب إلى القصر في القسطنطينية، الذي استقبله الملك والملكة وكل رجال البلاط بحفاوة وفرح عظيم.
انفرد الملك بالراهب يسأله كيف يمكن لراهب أن يقّبل فتاة ويرقد بجوارها، عندئذ طلب الراهب منه أن يتعهد له ألا يعوقه عن العودة فتعهد بذلك. عندئذ سالت الدموع من عيني الراهب وهو يرتمي على صدر الملك، ويقول: "أنا ابنتك إيلارية!". لم يحتمل الملك الخبر فصار يعانقها، ونادى الملكة ليبشرها بالخبر، وتحولت حياتهما إلى فرح شديد، وبقيت ابنتهما معهما ثلاثة أشهر لتعود فتذكر أبيها بالوعد.
عاد الراهب إيلاري ومعه خيرات كثيرة للدير، وقد قضى خمسة أعوام في نسكه وتقواه حتى افتقده الرب بمرض ليرقد في الرب بعد رشم علامة الصليب على وجهه، وكان ذلك في 21 من شهر طوبة.
دفنها الأنبا بمويه بملابسها كطلبها وأعلن خبرها للرهبان الذين تعجبوا لعمل الله الفائق في حياتها.
بركة صلاتها تكون معنا، أمين.
0 التعليقات